الطائفية والوحدة الوطنية

الازمة الحالية أعادت الى الواجهة مسألة تحديد الهوية السورية ودور الدين في المستقبل المنظور. فخلال فترة الخلافة العثمانية، كانت المناطق التي تشكل اليوم القطر السوري مقسمة جغرافياً على اسس طائفية وقبلية وعرقية. وكانت مناطق مثل جبال العلويين تعاني من العزلة، كما كان جبل الدروز في الجنوب امارة مستقلة غير خاضعة للسلطة المركزية. إن مبدأ وحدة الأراضي السورية الذي توافقت عليه النخب السورية منذ المؤتمر السوري عام 1916، اتاح المجال امام توحيد الطيف السوري، وتعزيز الأنتماء القومي تحت سقف الوطن، رغم أن سلطة الاحتلال الفرنسي قامت فعليا بتقسيم سورية وفق منطق أتني وطائفي.

بعد مرور 66 عاماً على استقلال سوريا وقرابة العامين على بدء الازمة، باتت هوية الدولة والمجتمع مهددة بفعل عدة عوامل قد تؤدي الى استبدال الانتماء القومي بإنتمائات طائفية وعرقية وقبلية ضيقة لا تجمع السوريين، بل تفرقهم كما كانوا ابان الخلافة العثمانية. شبح الماضي يخيم على المجتمع السوري وبأفضل الحالات، فإن البلد قد تكون مقبلة على تكرار الصيغة اللبنانية أوالعراقية المتمثلة بالمحاصصة الطائفية أو حتى الفيديرالية. وبات المجمتع السوري مقسم بين ما يسمى بالغالبية والاقليات، ما يشير الى تأزم مفهوم المواطنة وتهديده بالزوال مع تفاقم الازمة وتدويلها تحويلها الى صراع اقليمي بين قوى سنية وشيعية.

صعود الفكر الديني في المجال السياسي وفق وجهة نظر الكثيرين ناتج عن عدة عوامل، منها: التصحر الفكري والسياسي الذي فرضه النظام طيلة خمسة عقود، الفقر الناتج عن الفساد والعقوبات الغربية بسبب موقف سوريا من الصراع العربي الاسرائيلي، فشل اليسار العربي أمام العدوان الاسرائيلي والاميركي في المنطقة وايضا النفوذ المتزايد لممالك النفط التي تدعم بقوة الاسلام السياسي بصيغته الوهابية والسلفية. كما أن البعض يتهم النظام السوري بتأجيج الطائفية عبر تركيز السلطة التنفيذية الفعلية على يد طائفة واحدة فقط.

وفي زمن الحروب، تزداد الغرائز الدينية والعرقية وتتجذر في المجتمعات غير المتمدنة. وتتمثل ظاهرة التطرف بصعود الإسلام السياسي والعسكري، وبعودة الفكر الجهادي-التكفيري. كما تتمثل أزمة الهوية بعودة العصبيات العائلية والقبلية والعرقية والطائفية في سوريا وعلى الأخص في المناطق ذات الأتنية أو المذهبية أو حتى العشائرية.

ويرى بعض المعارضين إن التيارات المتطرفة اتت كرد على القمع العسكري الذي يمارسه النظام. هؤلاء يتهمون النظام بتأجيج مخاوف الاقليات من أجل اضعاف المعارضة. ولكن الواقع قد لا يكون بهذه البساطة. فبالرغم من أن بعض أطياف المعارضة تنفي التحريض الطائفي، فإنها غضت النظر عنه لأنه ظهر كورقة رابحة في معركتها. أن هذا التحريض اثبت أنه ذو تأثير نوعي وثقيل في استقطاب الجماهير في المناطق الاكثر فقراً وتهميشاً. كما أن الورقة الطائفية أثبت فعاليتها في جلب المساعدات المالية والعسكرية من دول الخليج الداعمة للتشكيلات ذات الطابع الديني.

ويتساءل السوريون الآن إن كانت المشاعر الطائفية والاستقطاب المذهبي مؤقتة أم يؤسس لمستقبل طائفي. هذا الهاجس قد يكون أكبر لدى الأقليات السورية بسبب سيطرة التوجهات الاسلامية الاقصائية على الجسم العسكري للمعارضة التي ذكّرت الجميع بأصولهم الطائفية. فتراجعت الحالة المدنية للمجتمع لصالح المشاعر الناهضة من غبار الزمن.

تتجه يعض الأطراف السياسية إلا أن إعادة الحياة السياسية تتطلب آليات وأفكار لتشكيل تيارات حزبية جديدة على أسس وطنية، مع التنويه الى أن السماح بأحزاب دينية أو ذات طابع طائفي قد تأجج الصيغة الطائفية، في نفس الوقت فإن التوازن ما بين السياسة والتنوع السوري يحتاج اليوم إلى مصالحة وطنية شاملة.

5
1
Thank you for your feedback

تعليقات

  1. علي سليمان

    بما أنني قبل سنتين كنت أخجل من ذكر اسم طائفة . و ليس خجلاً إنما حقيقة و كان يلمسها كل السوريين , فإنني واثق أن من صنع ذلك الموضوع هو إعلام بائس مجرم و كما أثر على الرأي العام و بشكل غرائزي سنعمل مشاريعنا الثقافي لكي نستعيد أجمل ما كان فينا أن لا طائفية في سورية و حقيقة الأمر يجب أن تكون مشاريعنا سواء على الصعيد الثقافي أو الإقتصادي أو الإجتماعي سيكون من أجل إرجاع هذه الثقة بالإنسان السوري المتنور و الواعي أن لا طائفة باغية إلا الفئات الباغية الطالمه و هذه تتكون من كل الطوائف و ليست من طائفة واحدة . مسؤولياتنا كمثقفين أن نصنع هذا الرأي العام و نطلب من كل رجال الدين الرحمة بالعباد و توجيههم الى الله بالعبادة و ليس بالجهاد الأصغر لأن الجهاد الأكبر هو جهاد النفس و ردعها عن ارتكاب الموبقات أما الجهاد ضد أخوة في الوطن لمجرد الإختلاف في سلوك العبادات فهذا الإجرام الأكبر.

  2. جوهر نعمان

    لايمكن علاج مرض من دون تعريفه و توصيفه و من ثم مقاربته بالعلاج الوصفي الناجع. الطائفية موجودة في سوريا منذ أمد طويل سابق للنظام الحالي، و إن كانت حدة العصبية الطائفية تختلف بين واع و جاهل محدود التفكير. غرائزية الإنتماء طبع عام للإنسان أينما كان، و ضبط هذا الأمر ضمن أحكام القانون أمر مهم جداً. تضحكني عبارات ساذجة من نوع أن الشعب السوري واع و غير طائفي و إلخ. و كما قال زياد الرحباني منذ عقود، المسيحية و الإسلام ما في منون.. بس فلتون عبعض و شوف!! الكلمة الجوهرية هنا هي”فلتون”. لا يمكن لمجتمع يدعي أو يتطلع للتطور أن يفلت جاهلا على أحد. ممارسة التمييز الطائفي يجب أن يعاقب عليها القانون. و الممارسة لاتعني مجرد ذكر اسم طائفة أو دين أو إثنية، فذكر الإسم قد يكون أمرا طبيعيا جداً خال من أية نوايا تمييزية. ذكر الإسم قد لا يحمل أ
    معان أكثر من أن تقول فلان هو من مدينة حمص أو حلب أو دمشق. أنا أتكلم عن الإستخدام السلبي لفظا للإنتماء الطائفي أو ما يسمى بالإنكليزية Slander.
    و بشكل أوضح، التمييز في فرص العلم و العمل على أساس طائفي يجب أن يعاقب أشد العقاب ضمن أحكام القانون. هذا الأمر مكفول مثلا في القوانين الأميركية ضمن ما يعرف ب Equal opportunity employment.

  3. جوهر نعمان

    يمكن لأميريكي في مكان العمل أن يقول: لدي صديق سوري. أو أعرف شخصا سوريا بدون مشاكل، ولكن أن يقول: هذا السوري الأجدب، مثلا، يؤدي إلى فصله من العمل فورا و محاكمته بتهمة التمييز.

  4. Naim Nazha

    The problem that Syria has with ethnic and religous association can be solved by the Decentralization that Syria needs and in the beginning they can have district related to areas that each ethnic or religous group live to elect representatives but with anti discrimination laws in housing and employments these districts will change composition but the people will vote the person they know even if not their religion or ethnic group, schools that all in and integration of students from different background will make easy to have a milting pot, with different cultures all of all until recently Syrians were able to live together without even asking about the religion and that is can come back as long as no group feels that they are not equal, the reason that a group become group oriented is when they feel being discriminated against.

شارك برأيك

يسرنا قراءة إضافاتكم، لكن مع التنويه أن النشر على الموقع سيقتصر على المشاركات البناءة و النوعية، و لا نضمن أن يتم إدراج كل المشاركات