دراسة فاتح جاموس

أولا: بعض مقدمات ضرورية،البيئة السياسية وتغيير: 

– 1- بالطبع نستطيع تناول أي موضوع أو عنوان كبير وهام أو جزئي من الأزمة الوطنية السورية للحوار حوله كموضوع (الدولة القادمة)المحدد في العنوان،لكن من المداولات الأولية،والحيثيات الواردة تحت العنوان أفترض أن قصر العنوان على موضوع الدولة فيه ضعف منهجي جزئي،وفيه نقص من زاوية التعبير الدلالي المحدد،فالأصح أن نقول في كل الأحوال،وكمعطى تاريخي فيما يتعلق بالخروج من الأزمة الوطنية السورية،أن نقول النظام الذي يشمل موضوعي(السلطة والدولة) السلطة باعتبارها تكافيء الطرف السياسي والاقتصادي والاجتماعي والإيديولوجي المتحكم الآن،والمهيمن المخول بفرض السياسات والقرارات الكبرى،وهو طرف متحول،غير ثابت،ثم الدولة التي تشمل المؤسسات والأدوات والهويات الكبرى والصغرى للشعب والجغرافيا والسيادة والجيوسياسة والعلاقات المحددة مع الخارج،تشمل النظام السياسي بمحتواه ومؤسساته والعلاقات الناظمة بينها وهيكليته،ويفترض أن هذا العامل أو الطرف هو الحد الثابت أو الأكثر ثباتا،أو الذي يجب أن يكون الطرف الأكثر تحديدا وثباتا من منظور تطلعات الإنسان الديموقراطية للتطور الشامل والصاعد مستقبلا.

-2- بدون أي شك نستطيع أن نحدد طابع المشكلة الرئيسي في سوريا وعنوانها الحاسم قبل انطلاق أحداث\أواسط آذار\2011\بوجود نظام سياسي استثنائي مقارنة بالمسار والنمط الرئيسي للنظام الرأسمالي كنظام ديموقراطي انتخابي،النظام السوري حالة من الديكتاتورية احتكرت السلطة على مدى عقود،وابتلعت الدولة ابتلاعا شديدا،ومما زاد في الاستثناء ذلك المسار التاريخي الاجتماعي والطبقي والسياسي السوري بالعلاقة الخاصة بين حزب البعث والفئات الوسطى السورية والنموذج اللاحق في( بورجوازية الدولة البيروقراطية) والبحث عن نمط ملكية خاص عبر حيازة الاقتصاد بواسطة الدولة(القطاع العام وملكية الدولة.الخ) نمط ملكية ثانوي وعابر في التشكيلة الرأسمالية،ثم العمل على تضخيم الدولة و”ملكيتها” والربط الاجتماعي والمعاشي لفئات واسعة بذلك،كما بسبب حاجات التناقض والصراع مع الكيان الصهيوني(الجيش والدفاع والأمن)،ذلك المسار والنمط كما سنلحظ لعب دورا هاما جدا وفعالا في تطورات الأحداث لاحقا،وموازين القوى،وسيلعب حتما دورا كبير في احتمالات التطور للخروج من الأزمة وموضوعنا الذي نناقشه(النظام ،السلطة،الدولة).

-3- إذن علينا أن ندرك بأن موضوع حوارنا هو موضوع تناقضات وصراعات واستراتيجات ووسائل،موضوع استقطابات داخلية وخارجية متغيرة،موضوع احتمالات في التطور غير محسومة من منظور المستقبل القريب والمرئي.

-4- بشكل خاص ومحدد برزت عوامل ومتغيرات كبيرة وخطرة تفترض تغييرا في المطالب والمهمات ذات الطابع التكتيكي في الوصول وإنجاز عملية التغيير الديموقراطي الجذري الشامل،والقادر على قطع الطريق على أي عملية إعادة إنتاج للأزمة،كان هدف التغيير واضحا جدا قبل الأزمة،واضحا بتغيير النظام السياسي الديكتاتوري الاستثنائي القائم،لكن بتسارع شديد تطور الحراك السوري في إطار موجة ما سمي بالربيع العربي إلى حالة أزمة وطنية شاملة مستعصية وغير قابلة للحل باعتماد استراتيجيات كسر العظم بالعنف والقتال،كما فرضت الاستقطابات الداخلية والخارجية ذلك الاستنقاع والاستعصاء ،ساهمت في ذلك العديد من الشروط الداخلية والخارجية غير المتعلقة حصرا بالنظام الديكتانوري ومسؤولياته،بل بشروط البنية السورية،والاستعداد للعنف،ووجود أحزاب ذات طابع طائفي(جسدا ونهجا)الأخوان المسلون وحزب التحرير المستعدة لاستغلال أي تفصيل أو سمة في النظام وتحويلها لمادة تحريض للطائفية السياسية،وتسببت تلك الأحزاب وأطلقت موجات عنف وإرهاب ساهمت بقوة في المزيد من هشاشة المجتمع والاستعداد للعنف والشحن الطائفي،كذلك كانت العين الخارجية دائما على سوريا وطاقتها الجيوسياسية وتناقضاتها وصراعاتها في الميدان القومي والوطني مع الكيان الصهيوني وحلفائه العالميين والاقليميين بالتغاضي عن النظام السياسي القائم،مع أن الأنظمة السياسية وقياداتها عبر التاريخ السوري المعاصر قد أعطت الجيوسياسة بعدا صغيرا أو كبيرا،أقل أو أكثر أهمية وحساسية وخطورة،لأسباب تتعلق بكل نظام بتاريخه الاجتماعي وإيديولوجيته وبرنامجه.

-5- ومن أهم التطورات التي برزت وتفترض حتمية إعادة النظر والمراجعة السريعة والجادة في الأولويات السياسية والبرنامجية هو الابتلاع السريع من قبل الإسلام السياسي والإسلاميين المتطرفين للحراك الأولي وبعض أهم تطلعات فعاليات وطنية وديموقراطية فيه،ابتلاعها والقضاء عليها،وفرض إيديولوجيا ونهج ووسائل وسيطرات وبوادر فعلية لنمط نظام فاشي بامتياز ووضوح،وهكذا بدلا من وجود نظام استثناء ديكتاتوري كعقبة رئيسية في وجه التغيير الديموقراطي الجذري الشامل،تقدمت قوة وصف أكثر خطورة منه،قوة استثنائية مدمرة لكل تراكم تاريخي من منظورات مختلفة،خاصة الدولة والوطن والحريات الشخصية والإنسان وكل القضايا المعاصرة وموقعا في تاريخ التعصب والموروث والمدفون،ليس هذا فحسب بل غدت الأزمة بحد ذاتها وآثارها الخطرة المدمرة كلها غدت عوامل وعقبات قبل قضية النظام الديكتاتوري في وجه عملية التغيير الديموقراطي الشامل.

-6- وفي الوقت الذي أبدى فيه النظام عنادا هائلا من استمراره في نهجه ووسائله واحتكاره للسلطة وابتلاعه للدولة،ولا يزال حتى الآن يعمل بكل طاقته على إدارة الأزمة متفردا،مما يجعله سببا أساسيا في إعاقة التطور الديموقراطي،إلا أن العملية التاريخية والمنهجية المقارنة مع الطرف الآخر في الصراع العنيف تؤكد أن النظام قد أطلق عدداً من الخطوات(بالتغاضي عن الأسباب والدوافع،أجبر أم لم يجبر.الخ؟!)التشريعية القانونية والسياسية،كما أبدى استعداده للحوار غير المشروط للوصول إلى توافقات شاملة للخروج من الأزمة(بالتغاضي عن خبرتنا معه في الوعود والتنفيذ)وطرح مبادرة واضحة على ذلك الصعيد،لكن الطرف الآخر(الجبهة الأصولية الفاشية)غير معنية أبدا،وليس في نهجها أو برنامجها أي استعداد للعملية السياسية والحوار،لا مع النظام فحسب،بل مع الجميع دون استثناء(أطرا سياسية ومجتمعا) فقط وفقط العنف واستراتيجية كسر العظم والانتصار،مهما حصل للدولة والمؤسسات والوطن،وهي على استعداد مطلق في استخدام الوسائط والتحالفات بصورة ميكيافيلية خاصة مع الخارج بالتغاضي عن النتائج،إنه طرف مغلق على التطور وضروراته،وهي بهذه الحالة غدت تمثل الإعاقة الأولى والأكثر خطورة على قضية الخروج من الأزمة والتغيير الديموقراطي.

-7- ومن أهم شروط البيئة السياسية التي تمثل عاملا حاسما في الأزمة والصراعات وقضية الحوار والتوافقات هو العامل الخارجي،والحدود الخطرة جدا للتدخلات بكل أشكالها،وغياب أي استعداد فعلي حتى الآن من قبل الصف الأمريكي الأوروبي الإقليمي الخليجي والتركي بخاصة- غياب أي استعداد للعمل الجاد على العملية السياسية الحوارية،لا يزال هذا الصف يعمل على استراتيجة التدمير الذاتي لسوريا،واستخدام كل الأدوات المتاحة،وما أبداه هذا الصف حتى الآن تجاه العملية السياسية مشروط،ويقوم على استراتيجية كسر العظم تجاه النظام،واستخدام وسائل العنف،تحفيزها وتطويرها لفرض نتائجها على الطاولة بنفوذ أمريكي وسعودي وتركي،وإذا أخذنا بعين الاعتبار كامل عملية الاستقطاب السياسية الدولية،وصولا إلى الأحداث في أوكرانيا،نستطيع التأكيد أن ارتهان جدل العملية السياسية والعنف في سوريا عالي جدا ويتصاعد ارتهانا للشروط الخارجية الدولية،وسيكون هذا العامل فعالا جدا في تأثيره على التطورات الحقيقية والحاسمة على(الأرض).

-8- بالتالي ما نفعله بحوارنا هنا،أو في أي محفل أو فعالية داخل الوطن وخارجه،ليس مجرد عملية تقنية،ليس عملية فانتازيا ترفية،وليس عمل خبراء كما يعتقد البعض،بل هو عمل اصطفافي من مواقع سياسية وتحالفية وصراعية تناقضية يجب أن تكون محددة،وعندما تنطلق العملية الحوارية السياسية على الصعيد الوطني،مهما بدأت أولية ونواتية وبسيطة بمن حضر،فإنها ستكون حقيقية عبر عمليات الشد والجذب والاقتراب والتقاطع والتوافق للخروج من ثم بإمكانية التوافق وتنفيذ عقد اجتماعي – سياسي جديد ومنظومة توافقية للخروج من الأزمة،والدخول إلى سوريا الانتقالية والمستقبل من ثم،وفي هذا السياق سيكون هناك جدل خاص،وعمليات ترابط خاصة جدا بين السياسة والعنف،بين المفاهيم والقيم والتغيير التدريجي في الوقائع،ستكون هناك مهمات جديدة في الأولويات بالنسبة لبعض القوى وأخرى لغيرها،وستكون المعادلة الرئيسية في تلك العملية المعقدة والتطورية التراكمية هي معادلة إطلاق العملية السياسية،والصراع مع الأطراف الأكثر خطورة وتهديدا في الأزمة والخروج منها وإجراء تغيير ديموقراطي جذري.

-9- ولن تغيب عن بالنا حقيقة أن النظام ليس وحيدا في نهج العناد بإدارة الأزمة متفردا،بدون بذل أي جهد فعلي لعمل وطني مشترك،وتغييب العملية السياسية الداخلية في مؤتمر حوار وطني شامل،وعليه تقع مسؤولية حاسمة في ذلك،إذ يستطيع فتح العملية برمتها وليس مجرد تسهيلها،فإلى جانب هذه الحقيقة نلحظ أيضا حقيقة غياب أي عملية تنسيق أو جهد وطني مشترك بين أطراف المعارضة الداخلية،ولا تزال هيئة التنسيق بشكل خاص ومحدد مصرة على اعتبار نفسها مركز المعارضة الوحيد المحتكر باسمها،ولا تزال مصرة على تركيز جهودها التنسيقية مع المعارضة المسلحة تحديدا(ائتلاف الدوحة) لأسباب تتعلق بتقاطعهما السياسي حتى الآن في العديد من المسائل الهامة من منطلق أن هناك ثورة،ومنطلق أن هناك قرار أمريكي- أوروبي- إقليمي لإجراء تغييرات في سوريا والنظام تحديدا وهذه حركة تاريخ حتمية كقطار يجب دخوله بسرعة وإلا غدت الهيئة خارج التاريخ والفعل التاريخي،والهيئة ترى أيضا أن محصلة ضغوط العامل الخارجي هي الوحيدة الكفيلة بضمان إجبار النظام على تنفيذ التوافقات المحتملة،هي بذلك تسلك الطريق الواحد للنظام والإئتلاف،احتكار الإقطاعة،عزل وقمع الآخرين،ومحاولة”ضبهم”تحت إبطها ألمضبوب أصلا تحت إبط الإئتلاف بإرادتها،هذه الحالة من وضع المعارضة الداخلية بشكل خاص،عمق الإنقسام الوطني الثلاثي،وتزيد في تعقيد شروط العملية السياسية.

-10- إذن ستكون تلك المقدمات وغيرها منطلقاً لتحديد محتوى هذه المادة الحوارية،أي منظومة قوى التغيير السلمي،مقاربتها للوقائع والاهتمام الشديد والتنبه لتغيراتها،وتصورات هذه المنظومة تجاه الأزمة والانقسام الوطني الثلاثي بين الصفوف والقوى السياسية والاجتماعية والشعبية والعسكرية،ستكون هناك بالتالي معركة حوارية سياسية شرسة ومعقدة،متطورة ومتغيرة بوتائر أساسا ذات علاقة ارتباطية عميقة بوقائع الصراعات على الأرض داخليا،كما العامل والتدخلات الخارجية أيضا سيكون صراعا حادا بين القوى والصفوف التالية ريثما تتهيأ شروط الحد الأدنى لحوار أولي بين القوى المستعدة للحضور(بمن حضر) ثم تطوير الحوار وأطرافه والتوافقات،وفتح جبهات عمل سياسي وفكي وثقافي وعسكري ضد الفاشية وتلك الأطراف المصرة على العنف الأطراف المعنية هي أولا:(صف الجبهة الأصولية الفاشية وما يلحق بها صراحة أو مواربة واستبطانا خاصة ممن يحسب نفسه على صف قوى الثورة،ويعمل كلسان حال سياسي على استراتيجية إسقاط النظام بالعنف وكأن شيئا لم يتغير)ثانيا:(صف الديكتاتورية وجبهة النظام بكامل تركيبتها ونهجها ووسائلها الأمنية من حيث الجوهر،وعدم جديتها في العملية السياسية)ثالثا:(صف قوى التغيير السلمي،تطلعاتها وما تمثله في نفس الميادين).

ثانيا: في الأسس والمفاهيم والقيم،شروط الحد الأدنى المناسبة لإطلاق العملية السياسية:

-1- بالنسبة لصف قوى التغيير السلمي،وعندما يعتقد أن هناك أزمة وطنية شاملة،مستعصية على الحلول العسكرية العنيفة،وأن هناك انقساما غير ثوري في المجتمع،ومهما تغيرت الأولويات واصطفاف القوى في التناقضات والعداوات،فإن قوانين الأزمة وضروراتها تفترض فورا الدعوة لحوار وطني شامل،بين كل الأطراف المسؤولة عن الأزمة والمعنية بها،وهنا أطراف الانقسام الوطني الثلاثي التي حددناها بكل تلاوينها،وذلك بدون أي شروط مسبقة،ويجب أن يبدأ الحوار وإطلاق العملية السياسية دون انتظار اكتمال الأطراف،بل البدء فورا بمن حضر ومستعد للحضور،والعمل الجاد على استمرار العملية السياسية السلمية ومنعها من التوقف،بل تطويرها،بتنفيذ أي توافقات يمكن الوصول إليها،وتشجيع الآخرين بذلك على الإلتحاق بالعملية،وإكسابها أبعادا أكثر تأثيرا وأهمية،وتلبية أي دعوة حوارية،التمسك بها وتطويرها،داخل الوطن بخاصة وخارجه أيضا.

-2- سنعمل في حوارنا على إقناع الآخرين بأن الوضع القائم هو وضع أزمة مستعصية،وأن الحل السياسي السلمي هو الحل الوحيد في هذه الحالة،وأي تأخير،أو تصور آخر،لا يفعل إلا العمل على المزيد من القتل والموت وتدمير الوطن وتهديد وحدته،وإعادة إنتاج الأزمة،ووضعها والوطن أكثر فأكثر تحت الإرتهان للخارج

-3- إن محاولاتنا في طرح منظومتنا وإقناع الآخرين بها لا علاقة له أبدا بضرورة بدء الحوار دون شروط،حتى مهما بدا الإنقسام الوطني غير عقلاني،أو مستحيلا على التوافق.

-4- ومهما تغيرت أولوياتنا في التناقضات والصراعات والتحالفات،فإننا متمسكون بمفاهيم الفصل بين السلطة والدولة،فنحن مع حتمية استمرار الدولة،وضد أي استراتيجية أوعملية أو نهج أوتكتيكات ووسائط لتدميرها أو حتى خلق انفراغ جزئي أو كلي فيها،وهذا لا يتحقق إلا باستمرار عمل أهم مؤسساتها المركزية،على رأسها الجيش والمؤسسات الخدمية العامة بمجموعها،والدولة بالنسبة لنا أكثر شمولا من ذلك بكثير إنه الميدان الجيوسياسي لسوريا،وسنعمل على المحافظة عليه بالحد الأدنى،إنه التناقضات الأساسية مع الدول والنظم التي تحتل أراض سورية(الكيان الصهيوني وتركيا)وحلفائها الرئيسيين، والعمل الحتمي على تحريرها بكل الوسائل المشروعة على رأسها المقاومة الشعبية،والدولة هي وحدة الشعب والأرض وتحقيق السيادة والدفاع عنها ومنع المساس بها،ولدينا الآن تخوفات كبيرة وجدية بسبب الخطر المحدق بوحدة الوطن السوري،ونحن بالمقابل سنعمل بوضوح على إضعاف دور السلطة في عملية ابتلاعها للدولة واحتكار مؤسساتها،لكن دون السماح بخلق فراغ سلطة على الرغم من طابعها الديكتاتوري والقمعي،وبالمقابل طرح استراتيجية إيجاد سلطة وطنية مشتركة مركزية بديلة وتوافقية،وكذلك سلطات محلية مشابهة،وذلك حتى الوصول سوية مع كل أطراف الحوار إلى توافق شامل على العملية الديموقراطية ووسائطها وأدوات تنفيذها الانتقالية وكامل سبل ضماناتها،وضمان توفير استحقاقاتها لكل الأطراف المشاركة في الحوار.

-5- وجهة نظرنا السابقة ومنظومتنا حول الأزمة والحوار والدولة والسلطة …الخ لن تعيقنا أبدا بخصوص ممارستنا لتكتيكاتنا التحالفية وأدواتنا وتطويرها بهذا الخصوص،إذ كان النظام هو الطرف الأول المسؤول عن منع وإعاقة العملية الديموقراطية،وكنا نعمل على تغييره جذريا وجديا إنما باستراتيجية التغيير والوسائل السلمية

وعندما تقدمت القوى الأصولية الفاشية لتحتل موقع الطرف الأكثر خطورة على العملية الديموقراطية،بل على وحدة الوطن والدولة،فإننا سنعمل على نشر هذا المفهوم السياسي،وما يفترضه من ضرورة وجود جبهة شعبية اجتماعية سياسية واسعة،لمواجهة الجبهة الفاشية،ودعوتنا هذه تشمل كل الأطراف الاجتماعية والسياسية التي تعتقد بأن خطر الفاشية تقدم على أي خطر في الأزمة الوطنية،بما فيها النظام،ويمكن أن نكون معه في جبهة واحدة بشرط حتمي يتعلق باستعداده عن التخلي عن نهجه في احتكار إدارة الأزمة،والاستعداد الفعلي للعمل الوطني المشترك بقيادة مشتركة وليس تحت إبطه ونهجه ومؤسساته،وفي حال الفشل بذلك سنواجه الفاشية كعدو مشترك كل من خندقه ووسائطه ونهجه،معتقدين أن مثل هذه الجبهة الواسعة ونهج قيادتها تشاركيا ونديا هو الوحيد الكفيل بهزم الجبهة الفاشية،وتشكيل إطار متنوع الميادين والسبل في تعزيز دور الدولة والجيش وليس السلطة،وهذا لن يغير فهمنا لطبيعة النظام،أو العمل على معارضته وتغييره جديا بسبل ديموقراطية سلمية.

-6- سنحاول أن يكون إطلاق العملية السياسية مرتبطا دائما بأي إمكانية لوقف العنف والقتال والموت،وتامين الحاجات المستعجلة للشعب السوري خاصة اللاجئين والنازحين القسريين داخل وخارج الوطن،والتأمين على الحياة والوجود،وتأمين الطرق،وإعادة الدورة الاقتصادية،وإلغاء العقوبات والحصار،ومن أجل ذلك سنطرح أهمية التواثق بين الأطراف المتحاورة ببدء تنفيذ عدد من الملفات الأكثر حساسية وخطورة(الاعتقال والخطف والحاجات الانقاذية)ومع ذلك وفي حال تعثر عملية التواثق أو البدء بتنفيذ مثل تلك الملفات،يجب عدم الربط بين ذلك وبين ضرورة إطلاق واستمرار الحوار والعملية السياسية.

-7- وعلى الرغم من كل ما ذكرناها في التغيرات وشروط البيئة السياسية السلبية والمانعة حتى الآن لإطلاق الحوار الجاد،والعملية السياسية الأولية الضرورية،،على الرغم من ذلك فإننا نعتقد أن هناك عددا من الوقائع وشروط الحد الأدنى المناسبة للعمل المكثف من أجل الحوار والعملية السياسية بمن حضر أواليا،نذكر بعض أهمها:(آ)إمكانية إطلاق وتطوير حوار وطني داخلي،بين النظام والمعارضة الداخلية،بشكل خاص منظومة قوى التغيير السلمي(التحالف الجديد لجبهة التغيير والتحرير،أي تحالف إئتلاف قوى التغيير السلمي سابقا)ومجموعات وفعاليات معارضة داخلية أخرى.(ب)إمكانية تطوير الجهد الحواري التنسيقي بين أطراف المعارضة الداخلية على الرغم من خلافاتها وانقساماتها الجدية،خاصة هيئة التنسيق وجبهة التغيير،وفي حال إصرار هيئة التنسيق على نهجها ومواقفها فإن هناك إمكانية فعلية مع أطراف أخرى وقطعت بعض أشواط مهمة في ذلك المسار(ج)

تأكدت شروط الحد الأدنى من خلال عملية جنيف2 على الرغم من قصورها وعرجها ومستوى التدخل الأمريكي المخيف فيها،كما تأكدت من خلال عدد من الاجتماعات والمؤتمرات الحوارية السياسية،كان آخرها وأهمها مؤتمر النمسا- قلعة شلايننغ إذ حضرته مجمل الأطراف الممثلة للإنقسام الوطني الثلاثي على الرغم من سويات التمثيل الضعيفة،وقلة عدد الممثلين الحضور،وعمليات الإعاقة والتخريب المسبقة،وعدم صدور بيان مشترك،كما أن هناك جهودا حقيقة من أطراف وجهات متعددة لمتابعة مثل هذه المؤتمرات وتطويرها(د)قيام عدد من المحاولات الحوارية والملتقيات،بشكل خاص في طهران ودمشق،وتشكيل عدد من الهيئات المشتركة،إذ على الرغم من الوضوح الشديد في عدم جدية النظام إلا أنه سمح لصف موالاته بالاشتراك،وهناك في اللاذقية تجربة خاصة لها وثيقة موقعة من مشاركين من المعارضة والسلطة والفعاليات الاجتماعية،هيئة للحوار الوطني الشامل وإدارة ملفات المدينة بصورة تشاركية،عملها بطيء وغير فعال بقوة،لكنها مستمرة وتتطور بصورة معقولة(ها)وهناك شرط موضوعي هام جدا،بدأ يتبلور ليمثل حاضنا هاما للعملية السياسية،وضاغطا على الجميع،إنه الكتلة الاجتماعية الشعبية الواسعة،تمثل الغالبية وتكبر على حساب الكتلتين الاجتماعيتين لطرفي الصراع العنيف،وهذه الكتلة هي القوة الاجتماعية لمنظومة قوى التغيير السلمي،وفي داخلها آلاف اللجان والفعاليات الإنسانية الإنقاذية،وتدفع هنا وهناك من أجل مصالحات على الأرض،تعبر بوضوح أن هذه الكتلة تتقدم بوعيها ودورها ووسائل ضغطها من أجل العملية الحوارية السياسية،ووقف العنف.

ثالثا:الجهد الدولي في العملية الانتقالية،الآليات والضمانات:

– يعتبر الجهد الدولي المبذول والمحقق حتى الآن على الرغم من إشكالاته الكثيرة هو الأكثر أهمية وتأثيرا في العملية السياسية والحدث السوري برمته،عنفا وسلما،ويبدو الأمر طبيعيا بحكم القوة الموضوعية لتأثير مراكز الفعل والتدخل الدولية(الأمريكي الأوروبي،وأدواتها الإقليمية)وكذلك بسبب طبيعة الإنقسام الوطني السوري،غير الثوري وغير الديموقراطي،الحاضن من البداية لشروط الأزمة،وتوفر مقدمات بعد الاحتلال الأمريكي للعراق،وظهور نخب سورية بوعي صريح تجاه ضرورة الدور الخارجي التدخلي بكل أشكاله،فظهرت أدوات للتدخل بوعي اختراقي خاطيء كليا،ولا يمثل ردا عقلانيا،أو وطنيا متنبها وناضجا بأي مستوى على نهج النظام وممارساته القمعية والديكتاتورية،وموقفه الكامل من العملية السياسية بعد انطلاق أحداث\آذار\2011\وسيبقى هذا التأثير الدولي التدخلي كذلك إلى وقت ينطلق فيه جهد وطني داخلي حقيقي مهما كان أوليا،وسيبقى للنظام فيه دور كبير بحكم كونه طرف رئسي وحاسم في تشكل الأزمة والمسؤولية فيها والخروج منها،كما سيكون مجددا للنخب السورية المعارضة العقلانية والسلمية المتنبهة لخطورة التدخل الخارجي دور مهم جدا.

– إن العامل الروسي،ومجموع دول البريكس،خاصة الطرف الإيراني،أيضا هو عامل مهم جدا في الأزمة السورية،عامل استقطابي،ومهما كان موقف أطراف الصراع والانقسام الوطني من هذا العامل،فهو يتقدم بتأثيره ونفوذه ليواجه بصورة إيجابية العامل الأمريكي الذي فرض التأثير الاستقطابي الأكثر أهمية وخطور،ولكن بالمقابل فإ القطبية الدولية الآن تعمل في أحيان كثيرة على إطالة الأزمة السورية،وتخلق تأثيرات سلبية بسبب ما يبدو وكأنه حرب بالنيابة في سوريا،مثلا تأثير الأزمة الأوكرانية.

– على الرغم من كل ذلك وبسببه يجب متابعة الجهد الدولي وتطويره،أولا من خلال محاولة التأثير في آليته وتقنياته،وطابعه البروتوكولي المحدد،واختراقه كلما أمكن ذلك بجهود أخرى موازية،جهد وطني داخلي،ومؤتمرات عالمية لفعاليات مدنية حقوقية وديموقراطية،مؤتمرات شبيهة بما جرى في النمسا،وما يجري هنا الآن مثلا.

– إن آلية العمل الدولية حتى الآن خاضعة لخدمة النهج الأمريكي من منظور المصالح السياسية بتحالفها مع المعارضة المسلحة،وما جرى في التقنيات والآلية قام بدرجة كبيرة على فكرة وجود طرفين في الصراع،وهكذا كان الأمر على أساس قطبية ثنائية قصوية تعيد إنتاج الأزمة ولا تسير بها سياسيا.

– إن الجهد الدولي بالرغم من كل ما ذكرناه سيكون هما على صعيد الضمانات لو تقدمت العملية السياسية التوافقية،لكن كامل العملية تتراجع نكوصا،والجهد الدولي المشترك شبه متوقف الآن إن لم يكن تصادميا بسبب الأحداث في أوكرانيا،وهكذا هناك فرصة كبيرة جدا للجهود الأخرى التي ذكرنا بعضها.

رابعا: في مسألة الرئيس وحلقة الرئاسة:

– حلقة أوعنوان أو قضية الرئيس هامة جدا في مسألة الأزمة السورية،وإمكانية الخروج الآمن منها أو بأقل التكاليف عبر عملية سياسية جدية،لكن حان الوقت لتدرك كل الأطراف خاصة الصف الأمريكي السعودي والمعارضة المسلحة،وكامل الصف القائل”بالثورة”والذي يرمي بشروطه هنا وهناك،ليدرك أن لامعنى إيجابي أبدا لطرح قضية المسؤوليات وإدخالها في الاستحقاقات،الحوار في مسؤوليات الرئيس،وكيف كانت ستتغير الأمور لو فعل هذا أو ذاك من تحمل المسؤوليات سيكون فانتازيا وأخلاقيا بالتالي ومعيقا للحلول السياسية،لا معنى إيجابي للإصرار على قضية الرئيس ومحاولة الاتفاق عليها من منظور الاشتراطات،المعنى الوحيد لهذه القضية غدا سلبيا بالمطلق،ولا يفعل سوى إعادة إنتاج الأزمة،وطرح الاشتراطات المتبادلة،وطرح مسألة المسؤوليات المتبادلة وتطورها ووجودها الفعلي لدى كل الأطراف المتنازعة عنفيا وغيرها،يجب الإدراك أن قضية الرئيس ليست مجرد عنوان بدلالات رمزية عابرة من قبل صف السلطة،بل هو عنوان وواقعة ملموسة،فعالة جدا من ضمن آليات وجود ومواجهة وتماسك صف السلطة والنظام،وغرفة عملياته السياسية والعسكرية،وعملية تمسكه بالدولة وحمايتها بمعاني عديدة،ومسألة السلطة والرئيس والدولة مسألة موضوعية تمتلك وجها إيجابيا في كل الأحوال،حتى مع اعترافنا الكامل أن النظام لا يزال ديكتاتوريا ومبتلعا للدولة بدرجة غير بسيطة.

– بالتالي يظهر أن الطرح الصحيح هنا هو جعل كامل القضية جزءا من عملية التوافق على منظومة ديموقراطية مع وسائط تنفيذها وضماناتها،وتأكيد عملية استحقاقاتها الندية على كل الأطراف والعناوين الرئيسية،ويصبح صف النظام حرا بمن يختار للترشيح إلى الانتخابات الديموقراطية التي ستجري بعد عملية التوافق،إن أي اشتراط آخر في هذا المستوى من الأزمة والتوازن،أي طرح بمنطق لو..ولو فعل الرئيس كذا وكذا سيكون إذا اشتراطية تشبه لو الشيطانية،غايتها رفض العملية السياسية فعليا.

خامسا: في المرحلة الانتقالية وحوار التوافقات(وجهة نظر منظومة قوى التغيير السلمي):

-المسألة الجوهرية في العملية السياسية هو البدء الفعلي بالحوار التوافقي وإنجازه بصورته التراكمية التدريجية

كلما أمكن ذلك من خلال الوسائط التنفيذية التوافقية أيضا،ووسائل الضمان،وسيشمل الحوار والتوافق كل قضايا المرحلة الانتقالية حتى الخروج منها،ستشمل مثلا قضايا( الملفات المستعجلة والتواثقية كوقف العنف وأمان الطرق والمعتقلين والمخطوفين وقضايا اللاجئين والنازحين الإعلام هيئات عمل وطني مشتركة هيئة لحقوق الإنسان ..الخ،عقد اجتماعي- سياسي جديد،أو كما يسميه البعض ميثاق وطني،طابع النظام الديموقراطي ومؤسساته الرئيسية،السلطات التي تعبر عن ذلك النظام:تنفيذية الرئيس ومجلس الوزراء والمحافظين،تشريعية البرلمان والشيوخ،قضائية،والعلاقات الناظمة لتلك المؤسسات،الدستور وطريقة صياغته وإقراره،الجيش والمؤسسات الأمنية،هيئات تنفيذ التوافقات،ما يسمى حكومة أو هيئة انتقالية،الفترة الزمنية الخاصة بكل مرحلة،ضمانات التنفيذ الداخلية والخارجية،وسائل إقرار شرعية التوافقات ،تقنيات الحوار وإقرار التوافقات.الخ).

– لا بد أن أطراف الإنقسام الوطني المعنية بالحوار والعملية السياسية والتوافقات ستكون لديها مبادراتها وأوراق عملها الرئيسية،وكذلك أوراق عملها(التنفيذية)حول العناوين والموضوعات الخاصة بالمرحلة الانتقالية،وحتى الآن هناك عدة مبادرات وأوراق من جهة النظام وبعض المعارضات،ومنظومة قوى التغيير السلمي المعارضة أطلقت مبادرتها الأساسية باكرا في\26\9\2012\ باسم(خارطة الطريق) ثم وضعت ورقة تنفيذية لاحتمال المشاركة في مؤتمر جنيف،وأي مؤتمر حوار حول الأزمة السورية،وفي هذه الورقة إجابات تفصيلية،وهناك ضرورة لتعميم هذه المبادرات والأوراق التنفيذية الخاصة بكل طرف،حتى قبل الاجتماع وبدء أي حوار.


ما رأيك بهذه الدراسة ؟ و هل قدمت حلا عمليا للقضية المطروحة ؟ وما مدى قابليتها للتطبيق في المدى القريب ؟