دراسة مازن بلال

خلال عامين كنا نتحدث عن “أزمة” سورية وسط طيف من المصطلحات الإضافية، تراوحت ما بين “الثورة” والمؤامرة، وفي عام 2013 أي مع بداية العام الثالث للحدث السوري تبدلت سمة “الأزمة” ربما بفعل الخطاب الأمريكي تحديدا لتصبح “الحرب الأهلية” عنوانا أساسيا عند تناول الوضع السوري، أما مع التحضيرات لمؤتمر جنيف، أي مع نهاية 2013، فإن “الإرهاب” دخل ضمن السياق التعامل مع “حرب الأولويات” التي ظهرت في جنيف ما بين وفد الحكومة السورية ووفد المعارضة، وكافة تلك التطورات لم تمنع من انتقال الحدث السوري نحو موقع جديد عندما أعلنت داعش دولة الخلافة على مساحة ما بين العراق والشام؛ ليبدو هذا الأمر ذروة الانهيار في منظومة الشرق الأوسط التي أقرها مؤتمر سان ريمون أوائل القرن الماضي.

عمليا فإن كافة العناوين التي ظهر منذ 2011 لم تعد صالحة للتعامل مع سورية، فالصراع الدامي لم يسقط النظام، وفي المقابل لم يؤدي إلى العودة الى الصيغة السورية قبل عام 2011، بينما يبدو انهيار الحدود السياسية وشيكا كمؤشر على انهيار النظام الإقليمي وليس على انهيار سوريا التي يبدو وجودها اليوم شرطا دوليا بالنسبة لتوازن القوى لأي نظام إقليمي أو دولي، وسوريا هنا هي دولة تتشكل من جديد عبر الأزمة، أو هذا ما يسعى إليه البعض داخليا وإقليميا، فهي:

  • فهي سياق جديد يسعى للاحتفاظ بسمات الجغرافية –  سياسية أساسية وربما أهمها “الشريط الساحلي” والخط “الجيوبولتيكي الثالث الممتد من درعا إلى حلب.
  • السمة السابقة تبدو ضرورية لكافة القوى الدولية سواء الداعمة للنظام أو المعارضة له لأنها الضامن لعدم تحول ما يجري لأزمة دولية شاملة، فهو يحافظ على دائرة مركزها فلسطين، ويمنع التشتت “اليهودي” الذي سيشكل لو حدث مأزقا للاستراتيجيات الدولية.
  • إن الشريط الجيوبولتيكي الخامس الذي يمثل بادية الشام وصولا إلى العراق هو نقطة الصراع القادمة لأنه سيمثل التحولات السياسية على مستوى الشرق الأوسط، فهو يضم احتمالات مفتوحة على مستوى التوازن القادم، سواء بظهور دولة كردية أو حتى بتقسيم العراق إلى أقاليم تصبح ضاغطة على كافة المنطقة.

إن البنود السابقة هي فقط لفهم ما يجري خلال الحدث السوري، لأننا انتقلنا من نقط صراع مع النظام السياسي، إلى فضاء مفتوح لشكل سوريا، فلم تتبدل أزمة الشرق الأوسط فقط بل تحولت أيضا الرؤى المرافقة لها، فعلى المستوى الداخلي السوري لم يعد مقبولا الحديث عن إصلاح وحوار وإعادة إعمار، لأننا أمام تحد جغرافي شرقي سيشكل حسمه مصير المنطقة ككل، ولم يعد الحديث عن نسق المعارضة سورية والتفاوض من أجل “التشارك” ينفع في ظل احتمال تبدل الخرائط أو الأدوار السياسية، وإذا صحت تسمية “الأطراف السياسية” على ما كان يسمى معارضة ونظام فإنها أمام تحد أساسي اليوم ينطلق من إغلاق الحوار بشأن الشكل السياسي للدولة والبدء بتكوين صورة الدولة القادمة وموقعها في ظل الصراع المتوقع على شرقي البلاد ابتداء من الجزيرة السورية ووصولا إلى بادية الشام.

سوريا اليوم هي لحظات الأزمة وكيفية تعاملنا معها، لأن هذا التعامل هو الذي سيفرز الصور المستقبلية، فالنماذج التي تضعها المؤتمرات خارج سورية، ومعظمها يتناول مرحلة ما بعد الأزمة، لا يمكنها أن تحدد صورة المستقبل، هي فقط ترسم آليات للإدارة لكيان لا يملك صورة واضحة، بينما التعامل اليومي مع تفاصيل الحدث وفق عمق مستقبلي سيحدد ويضع سوريا على خارطة (بالمعنى الجيوبولتيكي) مستقبلية يصبح فيها النموذج الإجرائي لشكل النظام السياسي ضمن السياق العام لما تم تثبيته خلال سنوات الأزمة.

على الأطراف السياسية ملاحظة ثلاث أمور أساسية:

  • الأمر الأول هو أن كافة التحولات الإقليمية والدولية منذ بداية الحدث السوري لم تؤثر في تغيير طبيعة التفكير السياسي لدى النخب السياسية على الأقل.
  • الأمر الثاني أن كافة التغيرات الديمغرافية (نزوح ولجوء) لم تخلق تحولا على المستوى الاجتماعي.
  • الأمر الثالث أن الدولة لم تتعامل بثقافة الأزمة طوال السنوات الثلاث الماضية، فباستثناء الحالة الأمنية تتحرك الدولة وفق سياق عام لا يحمل معه آثار التداعيات إلا فيما ندر (رفع الأسعار لبعض السلع، تامين المهجرين…).

 إن المواجهة القادمة بالنسبة للنخب السياسية هي في قدرتها على إنجاز التحولات السابقة عبر أيام الصراع الدائر داخل سورية، وإذا فشلت في ذلك فإن كافة التدابير التقنية اللاحقة لن تحدث أي تغير حقيقي، بل ستكون تكرسا للنتائج “القبيحة” التي خلفها الصراع، ففي الحالة السورية هناك ثلاث رهانات خاسرة: الرهان على نهاية الصراع دون تحول اجتماعي، لأننا سنعيد تكرار أزماتنا وإنتاجها بصور مختلفة، والرهان على النشطاء السياسيين بدل القوى الاجتماعية (النجوم السياسيين في الخارج)، وأخيرا الرهان على ثبات القوى الاجتماعية وعدم تحولها، فالصراع على الشاكلة السورية يجب أن يفرز تجمعات جديدة كليا وإلا فإننا سنبقى أسرى تفكير عقدي الخمسنات والستينات من القرن الماضي.

غرض أي حوار قادم هو رسم رهانات سياسية وتحديد أسئلة منهجية جديدة كليا، لأننا لسنا مهددين بوجودنا بل باستمرار الصراع لفترة أطول مما نتوقع.


ما رأيك بهذه الدراسة ؟ و هل قدمت حلا عمليا للقضية المطروحة ؟ وما مدى قابليتها للتطبيق في المدى القريب ؟