دراسة غير منسوبة

الملخص: في سوريا, إن فهم العلاقات بين الهويات, التماسك الاجتماعي, مؤسسات الدولة, وشرعية الدولة هو أمر هام جدا لتحفيز التنمية الاجتماعية, الاقتصادية والسياسية أثناء وبعد الأزمة.

الكلمات الرئيسية : مؤسسات الدولة الضعيفة, رأس المال الاجتماعي, بناء الدولة, الهوية, القيم والمواقف.

يمكن اعتبار هذه الورقة كدليل مختصر نحو برنامج أعمق في مجال المواطنة, الهوية والتماسك الاجتماعي في الحالة السورية الهشة. قبل آذار 2011 لم تكن الهوية عاملا محددا لمتانة وقوة الدولة. في العادة, إن الدول التي يتشارك مواطنوها في الأفكار حول من هم وكيف سيعيشون ويعملون سويا عادة ما تتمتع بحكم الدولة للقانون, الشرعية والحكم الرشيد التي لا غنى عنها لتحمل ودوام الإصلاح والتنمية السياسية والاقتصادية. لسوء الحظ, فإن المواطنين السوريين كانوا مؤمنين بأنهم يتمتعون بهوية واحدة ومجتمع متماسك قبل بدء الأزمة. لم تفهم الغالبية ما الدور الذي تلعبه الهوية في بناء مستقبل الدولة وهذا أمر مهم جدا لمساعدة المجتمعات الأضعف في التغلب على مشاكلهم المجتمعية.

تعكس قيم الهوية وتؤثر على العلاقات بين الناس في المجتمعات المحلية. يضمن التماسك الاجتماعي تشكيل مجموعات متماسكة تتكامل من خلال العديد من العلاقات ( الاقتصادية, السياسية, اللغوية, الجغرافية, التاريخية والتراثية … إلخ). لم يؤمن كل السوريين بهذا بل ولم يتم توجيههم للاعتقاد بأنهم يتشاركون ذات الهوية الجماعية, المصلحة المشتركة والمصير الموحد. التعليم هو المفتاح للوصول لثقافة التفكير هذه, بينما لم تعالج المناهج الدراسية في سوريا هذا الجانب بشكل كاف مما أدى لسوء فهم للهوية. كان لا بد من وجود هوية وطنية جديدة تتجاوز الهوية المبنية على أساس الطائفة أو العرق. إن تشكيل وفهم الهوية في وضع هش كالوضع في سوريا اليوم هو أصعب بكثير مما يفترض في العادة, بالإضافة إلى ذلك فإن الهوية والسلوك السياسي العام يتأثران بالطبقية كما بالمتغيرات الطائفية ( الأمر الذي فرض وأغني في فترات الاحتلال ). هذا أمر بالغ الأهمية لتعزيز المشاركة والديمقراطية في سوريا, إذ لا يمكن اعتبار الديمقراطية أمرا مفروغا منه. في سوريا, إن مفهوم الديمقراطية غير واضح وغير مفهوم بالنسبة للدولة والمواطن, في حين أنه يجب العمل بشكل جماعي على نطاق واسع لتوضيح فكرة أن الهدف الأساسي من النظام الديمقراطي هو رضا المواطن. بالتأكيد أن الدين في سوريا هو الهوية القوية المهيمنة, وفي بعض المناطق هو أحد جوانب التعريف. على عكس باقي الدول التي تعاني من أزمة مواطنة, فإن سوريا, على سبيل المثال, تمتلك هوية قديمة ومتأصلة ولكنها تأثرت بعامل الدين, أو بتعبير أدق بالانتماء للمجموعات الدينية والقبلية.

التماسك الاجتماعي ومؤسسات الدولة :

لا يمكن لبناء المؤسسات المنتجة الرسمية وغير الرسمية أن يكون فعالا بدون هوية قوية. تطور المجتمعات المتماسكة التي تشترك بالقيم والتاريخ نظاما اقتصاديا, سياسيا واجتماعيا عميقا لحكم رشيد ديمقراطي.

 تحتاج سوريا لبناء علاقات بين المجموعات/ المجتمعات المتماسكة والمؤسسات الحكومية وغير الحكومية, وهذا سيؤدي بشكل مؤكد لوصول إلى آليات صحية لتنظيم العلاقات السياسية, وسلوك عناصر الشرطة والقوى الأمنية, وللتشجيع بشكل حقيقي على خلق الثروة و بناء نظام مؤسساتي معقد/ بسيط. باختصار, فإنه كما يمكن للشعور القوي بالانتماء أن يوحد المجتمع ويرسخ الدولة, يمكن للانتماء الوطني الهش أن يفرق المواطنين ويضعف الدولة. اليوم وكون سوريا في حالة ضعيفة, وكون مؤسسات الدولة الرسمية لا تعمل كعادتها, وكون المجتمع ممزق فإن آثار الهوية الموحدة والتماسك الاجتماعي القوي هي العلاج.

التماسك الاجتماعي, مؤسسات وشرعية الدولة :

أي نظام سياسي شرعي = بعض التماسك حول الهوية الوطنية + بعض الاجماع حول حدود المجتمع السياسي + بعض الفهم الجماعي للأولويات الوطنية.

إن كان المواطنون السوريون من ذوي خلفية سياسية معينة منقسمون حولها ( أيا كان السبب ) فإنه من المستحيل تقريبا الوصول إلى نظام شرعي صحي. لهذا السبب, فإن دور وجود مجتمع متماسك أمر ضروري جدا لتأسيس شرعية الدولة, لأن أي موقف/ قرار سياسي شرعي يعتمد على حجم تماسك المجتمعات وقدرتها على استخدام مؤسسات الدولة كانعكاس لنموها التاريخي. وجود شعب مفكك / غير متماسك, على سبيل المثال, يمنع تشكيل بنية بيروقراطية صحية, بما في ذلك مؤسسات تنفيذ القانون, خدمات قضائية, خدمات مدنية…. إلخ. هذه البنية مهمة جدا لتشكيل دولة مدنية حديثة.

الفساد والانتهازية مقابل الهوية:

أثرت الأزمة في سوريا على قوة مؤسسات الدولة وصورتها في أعين المواطنين. في مثل هذه الحالة الهشة تميل المجموعات والجماعات للولاء لزعيم القبيلة أو رجل دين الذين يرتبطون بهم هم وآباؤهم ارتباطا وثيقا أكثر من ولائهم لمؤسسات الدولة التي تربطهم بها روابط محدودة أو غير آمنة. من الصعب المبالغة في تقدير التأثير المستمر لشبكات واتصالات المحسوبيات في المجتمعات المنظمة بشكل كبير ضمن جماعات عرقية أو دينية. من المهم تعزيز هذه الفكرة بين المواطنين السوريين, في مراحل التعليم المبكرة, أن المجموعات عادة ما تتنافس من أجل استخدام مؤسسات الدولة لمصالحهم الخاصة ولأهداف أنانية. عندما يستلم أحد الزعماء ( المرتبط أصلا بروابط قبلية أو عائلية ) مؤسسة حكومية ما, سرعان ما يضع أعضاء عائلته وأصدقاءه المقربين في مناصب رئيسية وهذا يساهم باستنزاف ثروات البلد على المدى الطويل. إن تعزيز ثقافة المسؤولية والمساءلة سيشكل تحديا في سوريا, وأعزو ذلك لتقصير في التعليم على المستويات المدرسية والجامعية. بدلا من بناء سياسة تحفز وتشجع على النمو, تعمل الدوائر الحاكمة بشكل أكبر على السيطرة على موارد الثروة والممتلكات. من شأن هذه التصرفات أن تخلق صورة ضبابية في عيون أولئك الذين هم خارج السلطة, وبالتالي فإن هذه الدولة برأيهم هي دولة غير شرعية.

بالمختصر, إن تصرفت النخبة الحاكمة المهددة ( بسبب أنانيتها أو لأي سبب آخر ) باستبدادية, فإن الغرباء والمواطنين ” العاديين ” سيكونون في موقع يمكنهم من تجاوز مؤسسات الدولة ومن المتوقع أن يتصرفوا بنفس الطريقة عندما يتمكنون من ذلك.

دور الهوية في عملية إعادة بناء الدولة :

إن أية مبادرة لإعادة الإعمار في سوريا سواء كانت حكومية أو غير حكومية عليها أن تولي اهتماما كافيا للنواحي الاجتماعية والثقافية والمؤسساتية المحلية. من الضروري أن لا يتم فرض مخطط على النموذج الغربي, وإلا سيؤدي ذلك إلى تشكل هوية اصطناعية مرة أخرى كما حصل في مرحلة ما بعد الاستعمار, الأمر الذي يمنع المجتمعات المحلية من تطوير روابط حقيقية مع مواطنيها. لذا, وفي مرحلة بناء الدولة, نحن بحاجة للعمل بجد نحو مؤسسات الدولة التي تعكس البيئات الاجتماعية السياسية, التراث الثقافي والبيئات الجغرافية والتاريخية الحقيقية. إن دمج هذه العوامل بشكل عميق مع المجتمعات سيضمن ولاء المواطنين تجاه الدولة.  الحل في سياق الأزمة السورية يكمن في إقحام الدولة بشكل عميق في المجتمع. لدى الناس في سوريا العديد من الموارد السياسية والثقافية, والاقتصادية الاجتماعية, والجماعات المحلية التاريخية التي بنيت على مدى قرون والتي يمكن بسهولة أن تشكل أساسا متينا للتنمية السياسية والاقتصادية. يحتاج السوريون فيما بينهم إلى تشكيل البنية التي يمكن أن تستفيد من هذه الموارد الغنية, بينما يجب تنظيم المعونات والمساعدات الخارجية واستخدامها بحذر لتأهيل المؤسسات المحلية والاجتماعية على المستوى الشعبي.

الخاتمة :

سوريا والسوريون بحاجة إلى التفكير في طرق لاستخدام الهويات, والقدرات والمؤسسات المحلية لتعزيز التنمية كي لا تقوض مجالس الإدارة الرسمية في الدولة كل هذه الأصول الأصلية. لا يمكن لدولة ضعيفة التأثير على التاريخ والجماعات المحلية الثقافية الخاصة بمواطنيها لبناء مؤسسات فعالة وصحية بشرعية سليمة, أو للاعتماد على رأس المال الاجتماعي المتواجد في المجموعات المتماسكة لتسهيل العلاقات الاقتصادية, الاجتماعية والسياسية.  


ما رأيك بهذه الدراسة ؟ و هل قدمت حلا عمليا للقضية المطروحة ؟ وما مدى قابليتها للتطبيق في المدى القريب ؟