دراسة نبيل موشي

خلاصة: لقد أثر الوضع الحالي لسورية على كل نواحي الحياة بطريقة سلبية, ولكنه أظهر أيضاً إمكانيات   سوريا  للتغيير نحو الأفضل. لكي يتم تغيير البيئة السياسية المستقبلية, يجب أن تبذل جهود لإيجاد مخرج في المدى القصير, والذي يضمن حل يستمر على المدى الطويل.

المخرج الحقيقي في المدى القصير يحدث من خلال التحوّل باتجاه اللامركزية لتحسين وضع المجتمع السوري والمشهد السياسي. ويتم التوصل إلى التغيير من خلال نقل السلطة أو المسؤولية من مجلس الشعب إلى السلطات الأخرى, مثل الأقاليم أو البلديات. سيشمل التحوّل تغييراً في العلاقة بين المستويات الإقليمية و سيؤدي إلى تلبية طموحات كل مجتمع سوري, و سيساعد التعاون الإقليمي من خلال الإدارة الذاتية في دمج الأقاليم مع بعضها البعض, لتعطي شبكة مترابطة و متكاتفة مع بعضها وتقوّي الوحدة بين المتحدات السورية.

على السياسة قصيرة المدى أن تكون قادرة على حث قدرتها لتلبية الحاجات الأساسية في البداية, في حين تمكّن الاستراتيجية طويلة المدى من تقديم تسوية أشمل, تعيد صياغة المشهد السياسي على المستوى القومي. بالإضافة إلى اللامركزية و تقليص الإدارة من الأعلى إلى الأسفل, تكمن القفزة الوطنية في تدعيم المسؤوليات الوزارية من خلال تحديد واضح للواجبات والسلطات, لممارسة الصلاحيات الممنوحة لها. بشكل طبيعي وفي الظروف المذكورة, يجب أن تكون الخطوة التالية ,إيجاد نظام نصف رئاسي مقوى يكون فيه منصب رئيس الوزراء من بين الجميع, مدعوم بشكل فعلي لممارسة السلطات المخولة له من قبل الحكومة.

على اللامركزية أن تستند إلى حالة من تعريف واضع للحد بين الحكم المحلي و السلطات المركزية, وذلك لتجنب النزاعات الداخلية بين المؤسسات المركزية والمحلية. بما أن بيئة سورية الحالية غير مستقرة ومتقلبة, فهي تحتاج إلى دولة قوية وحكومة مركزية, تكون مرنة وقادرة على التأقلم مع التحديات والفرص. ينزع تقاسم السلطة إلى خلق تناقض سياسي, والذي يجب أن يعالج لتفادي التحول إلى دولة ضعيفة.

تناقش هذه الورقة المتواضعة ما يمكن لسورية تحقيقه بمفردها. وتبحث الإجراءات ذات التأثير المباشر لسوريا و للشعب السوري, وبالتالي لن تعالج أي احتمالات أو سلوكيات ترتبط بعوامل خارجية. غيّر التسارع نحو السنة الرابعة للقتال المشهد العام في سورية وأعاد صياغة شكل جميع جوانب الحياة اليومية. إن الخبرات في المنطقة المحيطة, وعدم الوضوح فيما يتعلق بالحياة السياسية, وارتفاع التطرف, والتهديد بالتفتت, والتهديد الأمني بسبب التهميش والاستقطاب ، كل ذلك أدى إلى صعوبة إيجاد مخرج آمن لسورية.

يعرض تحول المشهد السياسي المستقبلي الدولة والمجتمع السوري إلى صعوبات محلية وإقليمية وعالمية, كما يعرض الفرص التي يجب أخذها بعين الاعتبار لتمكين مخرج في المدى القصير (فترة التحول) ويضمن حل دائم على المدى الطويل. دفعت حساسية كل جانب من النزاع الجميع لفرض الغايات قبل التفكير بالوسائل. تحوّل أو إعادة صياغة الحياة السياسية هو الغاية النهائية, وتحتاج لوسائل واقعية لكي تنجح. تعاني عدة مناطق في سورية بسبب الفراغ في السلطة لأن هيكل الدولة لم يصان واستهدفت مؤسساتها, وذلك أدى إلى الانتقال إلى حالة غير مرغوبة.

علاوة على ذلك, سورية متنوعة في كل عناصر وجوانب الحياة. وعليه فإن الوحدة والكلية ضروريتان جداً لضمان بيئة سياسية متعددة ومستدامة. يجب تقوية الأفراد كأعضاء في المجتمع لضمان المستقبل المناسب, ويجب إعطاء مساحة لتأسيس دولة مدنية قومية لخلق قاعدة قوية.

الحل القابل  للتحقيق  في المدى القصير لالتئام المجتمع السوري والمشهد السياسي هو تغيير الحكم الداخلي على المستوى المحلي والإقليمي ليغطي نطاق أوسع من المجتمعات السورية مثل الأحزاب السياسية, والثقافات, والطوائف, والأعراق, والأديان و هلم جرا. يجب أن يتم نقل جزء من السلطة السياسية والإدارية, والمسؤولية الفعالة والتي تملك الكفاءة من السلطات المركزية عالية المستوى, إلى وكالات على مستوى منخفض لاستيعاب تنوع سورية. يجب الوصول إلى التغيير من خلال تحويل السلطة أو المسؤولية والذي يصل إلى التغيير في العلاقات بين المستويات الإقليمية. السبب أن ذلك التعاون الإقليمي من المحتمل أن يؤدي إلى دمج المناطق مع بعضها البعض لتنشئ شبكة مترابطة ومتضامنة تعزز الوحدة بين المجتمعات السورية.

إن الإدارة المستوية, عوضاً عن الإدارة المتصلبة من الأعلى إلى الأسفل  سوف توازن تمثيل جميع السوريين لكي تسمح بإدارة ذاتية تحيط بكل مجتمع سوري. مثل هذا البرنامج الشامل ينهي التهديدات الداخلية, مثال: مطالبة بالاستقلال أو الحكم الذاتي, وعليه يتم استبعاد أي تفتيت إذا عولج بشكل حذر. يمكن لبرنامج إدارة ذاتية أن يحقق الغاية, والحاجات الأساسية و المطالب الشرعية واعتبارات كل مجتمع من خلال توسيع قدرة الإجراءات المحلية المحددة. يخدم عملية بناء الثقة لمؤسسات الدولة والتي ينتج عنها مشاركة فعالة. تمنح المشاركة الفعالة كل مواطن فرص متساوية ومتكافئة لتحديد خياراتهم المفضلة وأسئلتهم على جدول الأعمال العام, و إيضاح أسباب اختلاف النتائج. تضمن العملية أن يتم تقييم كل مواطن بشكل مساوٍ للآخرين. فرصة لتقرير والتأثير في القضايا السياسية الحالية, من خلال تشاور يتيح المساواة, يشمل كل مواطن في الدولة والإدارة المحلية. تمكن السلطات المحلية فعالية إدارية وتقوم بتخفيف البيروقراطية الموجودة عندما تكون السلطة الفعالة مركزية.

يتم تقسيم السلطة عموماً إلى سلطة سياسية (تنفيذية), وسلطة تشريعية, وسلطة قضائية. السلطة السياسية التي يمكن ممارستها بشكل لا مركزي هي السلطة التنظيمية, الإلزامية و\أو السيطرة المالية. ستقوم اللامركزية في سورية بنقل السلطات السياسية والإدارية من مجلس الشعب إلى سلطات في مستوى أدنى, مثل المديريات أو البلديات. حتى تكون هذه العملية ناجحة وفعالة عموماً, يجب أن يتم التركيز على إدارة العملية في المستوى الأولي. يجب أن تركز الدراسات على شكل المحافظات الحالية, كونه يمكن إعطائها سلطات أكبر. بالتالي فإن بعض المحافظات تتطلب تحولات جغرافية, بينما بعضها الآخر يحتاج إلى دعم وطني أكبر لتفعيل الإجراء. أي تحوّل و\أو إعادة تشكيل للمشهد الجغرافي أو السياسي, قد يتطلب مستوى أعلى من القيادة والإشراف, في سبيل تحقيق فعالية الممثلين والوكلاء في المستوى الأدنى تكون البلديات أو المحافظات معادلة لوكلاء المستوى الإقليمي, مع مهام سياسية يتولاها مجلس كل منطقة. تقع على عاتق المجلس مسؤولية متابعة المهام, التي لا يمكن معالجتها عند مستويات محلية أدنى, ولكن تحتاج إلى تعاون مناطقي عبر نطاق جغرافي أوسع. مثل تلك المهام غالباً ما تكون عناية صحية, مساعدات فورية أو شبه فورية. يهدد التطرف حالياً عدد من حدود سورية المشتركة. كنتيجة لذلك, قد يكون توزيع رأس المال والجهود بمساعدة كفاءات إقليمية, قادرة على مواجهة مثل تلك التهديدات الأمنية بطريقة فعالة. المهام الأخرى التي يمكن أن تستفيد من الإدارة المناطقية هي ضريبة الدخل. يكون مجلس المدينة قادراً على فرض ضريبة دخل نسبية, بالاعتماد على ظروف واحتمالات اقتصادية إقليمية, لتغطية التكاليف, في سبيل تحقيق نظام ضريبي عادل. على سبيل المثال, تختلف على الأرجح نسب الضريبة بناء على مناطق ريفية ومدنية … إلخ . نظرياً يكون في كل محافظة أو بلدية هيئة إدارية فعالة , وأجهزة حكومية للمحافظات, حتى تقوم بالمراجعة و التنظيم, بما ينسجم مع السياسات القومية.

يقابل المستوى المحلي مجالس البلديات, كل منها مع جمعية أو مجلس. يجب أن تعالج الإدارات المحلية المسؤوليات في نطاق واسع من الخدمات و المرافق والتي تتضمن التهديدات الأمنية المحلية, ومشاريع البنية التحتية والبناء, وتمديد المياه, والصحية, وتوزيع المساعدات المحلية ,والرفاهية العامة, ومعالجة النفايات, والمدارس وغيرها. تخول مجالس البلديات بفرض ضريبة الدخل على الأفراد. كنتيجة لذلك, فإن البلديات ستملك حيّزاً مهماً في تحديد ما هي الخدمات التي يجب أن تُقدم, و إمكانات تقديمها. من ناحية أخرى, فهم مطالبون بتقديم عدة خدمات أساسية, مصدرها مجالس المحافظات. إشراك المدارس وجعلها متاحة للجميع, من خلال نقل فعال للسلطة وللمسؤولية, من المستوى القومي إلى مجالس البلديات, التعليم العقلاني هو مثال لتلبية طموحات لبعض المجتمعات السورية.وهذا سوف يوفر التعليم الملائم محلياً, مثلاً تعليم كفؤ للغة الأم مجاناً بالإضافة إلى اللغة العربية خارج أوقات الدوام المدرسي, لتمجيد الإرث الثقافي المحلي / الإقليمي. بناء مشاريع أو استثمارات في البنية تحتية تعتبر فرص مماثلة.

يجب أن تكون سياسة المدى القصير قادرة على حث القدرات, لتقديم الحاجات الأساسية مبدئياً, في حين تساعد الاستراتيجية طويلة المدى, والتي تمهد الطريق لذلك, و تدعم بيئة سياسية مرغوبة في المستقبل. يجب أن يتم السعي لعملية وطنية موازية  من اجل بناء الثقة بمؤسسات الدولة , بالإضافة إلى العمليات المحلية التي يتم العمل عليها, وتسهيل المشاركة بين الأطراف المعنية. من ناحية أخرى فإن عمل وطني مساوي, سوف يضمن الاستقرار وسيحمي السيادة والأمان للدولة ومؤسساتها.

بالرغم من المزايا العديدة للامركزية وفق الظروف الحالية لسورية وما حولها, فإن تبني أي تقسيم للسلطة يجب أن يتم بحذر. قد يسبب نقل (كثير) من السلطة السياسية أو التشريعية من السلطات العالية المركزية إلى المستوى المحلي أو الإقليمي سوء توزيع بين المناطق داخل أي دولة, مما يؤدي إلى عدم المساواة. بشكل مماثل, قد ينتج سوء توزيع اقتصادي في مستويات تعليمية مختلفة, وفي عدة مناطق. في حالة اللامركزية, تكون الحاجة إلى تعريف الفرق بين المصالح القومية والمصالح المحلية, ضرورية لتحديد من المسئول وعن ماذا. علاوة على ذلك, من الضروري تنسيق السياسات القومية والمحلية, لحماية الدولة والمجتمعات من التحطم بسبب النزاعات الداخلية.

التحدي الأكبر الذي سيواجه سورية في حال تبني اللامركزية في هذا الوقت تحديداً, هو مسألة حماية سيادة الدولة. لامركزية الدول تطلق خطر خلق حكومة ضعيفة, والتي تولد تبعية لأمم أو لممثلين, مما يؤدي إلى تقسيم البلاد على المدى الطويل, إذا لم تتم حمايتها بشكل ملائم. من جهة أخرى, يجب أن لا يسمح لهذه المسألة أن تقيد حرية الناس الذين يعيشون في الدولة. كما تكون سيادة الدولة من مسؤولية القيادة, فهي أيضاً مسؤولية كل مواطن. من الضروري لدولة فتية مثل سورية أن تحدد طبيعة تعريف الهوية السورية, وأهمية الوحدة. مجتمع سوري متماثل هو بذات الأهمية لسلامة الدولة, من خلال رفض التفتت الداخلي, وإنهاء النزاعات بين السياسات القومية والمحلية, كما هي مسؤولية القيادة أن تحمي أمن الحدود من التهديدات الخارجية, وتضمن حرية الحياة ضمن نظام سياسي مؤسس لضمان الأمن.

بينما يتم إقرار عناصر أساسية, مثل الثقة والمشاركة الفعالة, ولكي يتم إحداث نظام شفاف, يجب أن يتم تنمية عمل موازي ومساوي, لإحداث تسوية شاملة, تعيد تشكيل المشهد السياسي على المستوى القومي. لتثبيت عملية التحول, يجب تطبيق التعديلات الدستورية المتوافقة مع المعايير العالمية. يجب تسليم سلطة مختصة بمساعدة وزارة شؤون المصالحة الوطنية, مهمة تشكيل هيئة ائتلاف وطني شامل ومستمر ونشيط, مؤلف من كافة المجتمعات, لمناقشة تعديلات الدستور, وتعرض التعديلات لاحقاً للتصويت عليها, عندما تكون الظروف ملائمة.

بالإضافة إلى مجلس رئاسي أشمل، تكمن القفزة الوطنية في مسؤوليات وزارية مدعمة مع تحديد دقيق للواجبات و السلطات من اجل تنفيذ الصلاحيات المنوطة بها من دون تفكيك أي شيء مع الحفاظ على بنية الدولة. وتكون الخطوة الطبيعية التالية في الظروف الراهنة هي نظام شبه رئاسي يكون فيه رئيس الوزراء من بين الجميع مدعّم بشكل فعال, لكي يحقق الصلاحيات المخولة له من قبل الحكومة, تعديل كهذا يجب أن يدرج في الدستور ولكن يبقى الاحتمال بان يكون رئيس الوزراء هو رئيس الحكومة, و أن يكون رئيس الجمهورية هو قائد الدولة. حيث سيتم انتخاب المنصبين.

عند النظر في اللامركزية بشكل عام, علينا أن نضع في اعتبارنا أن جهاز الدولة هو كيان مؤلف من عدة عناصر. السياسة الخارجية مرتبطة بالسياسة الداخلية, والسياحة تؤثر على السياسة المحلية والقومية. بما أن احتمال فصل السلطات موجود, يجب فهم أن كل وزارة هي جزء متكامل من الدولة, وعليه فإن كل القطاعات مرتبطة ببعضها البعض بشكل قوي. لا يمكن تقسيم المسؤوليات بشكل كامل والتعامل معها بشكل منفصل, فالدولة لا تعرّف بقطاعات منفصلة. لاحتمال مثل هذه المعوقات, يجب توجيه وتعريف الصلاحيات والمسؤوليات, في دستور معدّل وموضوع من قبل فريق مختص.

سورية, وبما أنها تعمل في بيئة غير مستقرة ومتقلبة, فهي تحتاج إلى حكومة مركزية, تكون مرنة وقادرة على التكيف مع الفرص والتحديات. تقسيم السلطة بين الوزارات, أو بشكل أدق بين جهتين تنفيذيتين, قد يطلق خطر ظهور حكم متناقض في حال التعايش على سبيل المثال. بينما يميل خلق نظام فعال من التوازنات والضوابط, إلى شلّ جهاز الدولة. يمكن عادة معالجة المشكلة بتعديلات دستورية, لكنها لا تحل مسألة ضعف الدولة الذي من الممكن أن ينتجه النزاع بين التنفيذيين. من جهة أخرى, سيتم تقييم هذه التعديلات والتنفيذيين في المستقبل, في مرحلة لاحقة على الصعيد القومي, في حال إيجاد مخرج في المدى القصير وإعادة الاستقرار لسورية.

تعتمد لامركزية الدولة على شرعية الممثلين (المحليين). من أجل ذلك فإن التدريب والإشراف الوطني ضروري لإيجاد مرشحين شرعيين وفعالين. تم استغلال الفراغ الحالي في السلطة, في مناطق مختلفة من سورية, من قبل أفراد وجماعات ذات نفوذ غير شرعي, بأي وسيلة كانت. يجب عدم تمكين هذه المسألة من خلال سلطة محلية. الاستقرار الاجتماعي وإعادة التأهيل هما أولوية قبل أن يستطيع الممثلون إيجاد الشرعية من خلال تمثيل (شامل). وعلى الممثلين المحليين الاستجابة للمجالس ذات المستوى الأعلى من اجل تنظيم مثل هذه التطلعات الخطيرة و التطورات الضارة.


ما رأيك بهذه الدراسة ؟ و هل قدمت حلا عمليا للقضية المطروحة ؟ وما مدى قابليتها للتطبيق في المدى القريب ؟